ا
ستخدام “دراسة الحالة” يعتبر أحد الطرق التعليمية الجديدة لمناقشة مشكلة أو موضوع وإيجاد الحلول المناسبة بالاستعانة بعدد من الخبرات المتفاوتة، وقد اشتهرت مجلة هارفرد بعرض “دراسة حالة” شهرياً، ملحق بها الرأي الخاص بما لا يقل عن ثلاث خبراء في نفس المجال، وأغلب الدراسات المذكورة في المجلة تنتهي بوضع محايد يحتمل الخطأ أو الصواب، مما يتيح للقارئ حرية إبداء رأيه فيها. وفيما يلي نعرض لكم “دراسة حالة” لأحد الأوضاع التي نعيشها في مجتمعنا الكويتي، نسرد فيها المشاكل التي تواجهه بهذا الخصوص، متمنين منكم مشاركتنا بآرائكم للحصول على “دراسة حالة”مثمرة من مختلف الجوانب.
يعمل أبو جاسم بإحدى الشركات النفطية التابعة لمؤسسة البترول الكويتية وقد أمضى ما يقارب 10 سنوات من العمل بنظام الوردية، وقد زادت مسئولياته بعد أن تزوج وقام بتكوين أسرة، حيث يقوم بتوصيل أبنائه إلى المدارس والأندية الاجتماعية والصحية وشراء مستلزمات العائلة.
قرر أبو جاسم بعد أن تم منحه الزيادة الأخيرة للرواتب ومشاركة النجاح، شراء سيارة أوروبية فارهة إضافة إلى سيارته العائلية، بحيث تستخدم الأخيرة لتوصيل الأولاد والمشاوير الأخرى، لذا فقد دعت الحاجة إلى الاستعانة بسائق للسيارة، وقد تم تجهيز غرفة له بالمنزل حتى يتواجد على مدار الساعة لخدمة العائل
القرار بعد المشاورة
بعد مشاورة أم جاسم قرر الاثنان استقدام سائق من إحدى الدول الآسيوية للعمل لخدمة العائلة، فتوجه أبو جاسم لإحدى مكاتب جلب العمالة ودفع مبلغ ليس بقليل لاستقدام أحدهم وكان موعد وصوله بعد 40 يوما، وخلال هذه الفترة عانى كلاً من أبو جاسم وأم جاسم الكثير من عبء توصيل الأولاد، ولكن من حسن حظهم أن أبو جاسم كان يعمل بنظام الوردية، حيث يقوم بتوصيل الأولاد للمدرسة صباحاً ويعيدهم منها ظهراً وذلك حينما لا يكون موعد عمله خلال وردية الصباح، مما ساعد أم جاسم أن تتولى مسؤولية المشاوير الأخرى بعد الظهر.
بعد مضى 40 يوم، وصل السائق الجديد “عبدالمعين” فاستقبله أبو جاسم استقبال الأبطال، وكانت المفاجأة أن رخصة قيادة “عبدالمعين” غير صالحة للقيادة في دولة الكويت، مما يتوجب إصدار رخصة جديدة له، بالإضافة إلى أنه مارس القيادة بالدول الآسيوية – أي القيادة بالجانب الآخر من الشارع – وقد استغرق أبو جاسم أسبوع من وقته الثمين لإصدار الفحوصات والتأشيرات اللازمة وتخليص المعاملات حتى يتسنى لـ “عبدالمعين” الحصول على موعد لتقديم فحص قيادة، وقد تحدد الموعد ليكون بعد شهر.
قام أبو جاسم باستغلال هذه الفترة لتدريب “عبدالمعين” على القيادة في الكويت متى ما سنحت له الفرصة، وجاء اليوم الموعود وتقدم “عبدالمعين” لفحص القيادة إلا أنه كاد أن يتسبب في حادث أثناء الفحص وأشار الفاحص بوزارة الداخلية أن عبدالمعين لم يتلقَ التدريب السليم حتى يستطيع تجاوز الاختبار، فنصح الفاحص أبو جاسم أن يستعين بمدرب محترف حتى يضمن سلامة أولاده وسلامة السائقين الآخرين بشوارع الكويت.
بعد تردد استسلم أبو جاسم للواقع المرير ودفع مبلغ ليس بسهل لإحدى مكاتب تعليم القيادة، وأيضاً دفع رسوم الاختبار الثاني والذي تم تحديده بعد شهر. خلال هذه الفترة كان عبدالمعين يسكن بمنزل أبو جاسم وهو يصرف على مأكله ومشربه وملبسه دون أن يستفيد منه كسائق بالإضافة إلى توصيله، ولكن جاء الفرج بعد اجتياز عبدالمعين للفحص الثاني واستلام رخصة القيادة وابتدأت مرحلة جديدة.
فرح أبو جاسم وأم جاسم بهذه المناسبة واسترد أبو جاسم سيارته الفارهة من أم جاسم وسلَّم عبدالمعين سيارة العائلة القديمة وبدأ بدوره بالاهتمام بتوصيل الأولاد للمدرسة. في اليوم الأول تأخر الأولاد عن طابور الصباح لأن عبدالمعين أضاع الطريق، وفي اليوم الثاني تأخر الأولاد أيضاً عن طابور الصباح لأن عبدالمعين اتبع توجيهات أم جاسم للوصول للمدرسة بالطرق المختصرة، ولكي تنتهي هذه المشكلة قرر أبو جاسم أن يرافقهم للمدرسة في اليوم الثالث ليتأكد من معرفة عبدالمعين للطريق بالضبط وبالتالي يصل الأولاد بالوقت المناسب، وقد ارتاح أبو جاسم وأم جاسم في اليوم الرابع والخامس حيث وصل الأولاد إلى المدرسة دون تأخير.
الاسبوع الثاني
في الأسبوع الثاني تأخر عبدالمعين بالاستيقاظ من النوم بسبب عدم حصوله على منبه، فاشترى له أبو جاسم منبهان، فمرت باقي أيام الأسبوع الثاني بسلام. واستعد الأولاد للذهاب
للمدرسة في بداية الأسبوع الثالث، إلا أن عبدالمعين تأخر، وذهب أبو جاسم يطرق عليه الباب ووجده يتجهز للخروج، وعند سؤاله عن سبب التأخير أجاب بأن أم جاسم طلبت منه الاستحمام يومياً ليظهر بمظهر ورائحة طيبة، فعقب أبو جاسم وقال له بأن هذا شيء طيب ولكن يجب عليه الاستحمام مساءً حتى لا يتأخر عن الأولاد، وفي اليوم الرابع اشتكى عبدالمعين من المرض وأنه لن يستطيع قيادة السيارة، فطلب منه أبو جاسم إحضار اجازة مرضية، مفسراً أنه قد مرت عليه الكثير من حالات التمارض خلال فترة عمله، فتوجه عبدالمعين إلى المستوصف القريب من المنزل وحصل على اجازة مرضية مدتها 3 أيام من الطبيب الذي صادف أن يكون من نفس البلد الآسيوي الذي حضر منه عبدالمعين، وقدمها لأبي جاسم وتحمل أبو جاسم بدوره مسؤولية التوصيل ريثما يتماثل عبدالمعين للشفاء وهو راقد بغرفته ويشاهد التلفاز. ومن حسن الحظ أن كان يومي الأربعاء والخميس هما يومي راحة لأبي جاسم فلم يؤثر ذلك على عمله.
الاسبوع الرابع
وفي الأسبوع الرابع تعافى عبدالمعين وقام بمزاولة مهامه بكل حيوية ونشاط إلا أنه قد تأخر عن موعد خروج الأولاد من المدرسة في اليوم الثالث، وعندما سأله أبو جاسم عن السبب أخبره عبدالمعين أنه ذهب للمستوصف لإجراء بعض الفحوصات لأنه يشكو من آلام في أسنانه.
وأخذ عبدالمعين يشتكي من الآثار المترتبة على قيادته المستمرة للسيارة وقضائه لحوائج العائلة، حيث قدم لأبي جاسم في مساء آخر أيام الأسبوع الخامس اجازة مرضية مدتها 3 أيام لأنه يشتكي من آلام بالظهر والتي يدعي أنه تعرض لها بسبب الكرسي الغير مريح للسيارة القديمة التي يقودها، كما قدم اجازة مرضية أخرى في نهاية الأسبوع السادس مدتها يومان – من نفس الطبيب الآسيوي – لأنه يشتكي من آلام بالرقبة بسبب القيادة ليلاً نهاراً.
طالب عبدالمعين أبي جاسم بدفع المخالفة المرورية التي حصل عليها في اليوم الأول من الأسبوع الثامن، حيث أنه لم يكن ينوي مخالفة الأنظمة والقوانين إلا أن أوامر أم جاسم أوقعته بهذه المشكلة، موضحاً أنه وهو في طريقه لإيصال الأولاد للمدرسة صباحاً اعترض طريقهم حادث مروري تسبب في تعطل السير، ولاحظ عبدالمعين استغلال بعض السيارات لمنطقة الأمان بغرض تفادي الازدحام بالوقت الذي كان يخبر فيه أم جاسم عن احتمال تأخر الأولاد عن المدرسة، فطلبت منه استخدامها – منطقة الأمان – كغيره من السائقين حيث أنه من الضروري إيصال الأولاد في الوقت المناسب للتأكد من عدم تأخرهم على موعد الامتحانات، ولكن لسوء الحظ كانت شرطة المرور له بالمرصاد، فدفع أبو جاسم هذه المخالفة على مضض.
الاسبوع الثامن
وفي نهاية نفس الأسبوع – الأسبوع الثامن – تعطل إحدى إطارات السيارة مما تسبب في تأخر موعد عودة الأولاد من المدرسة، فاستشاط أبو جاسم غضباً وأخذ يعنف عبدالمعين، حيث أن الإطارات جديدة وتم استبدالها الشهر الماضي، فقام عبدالمعين بإخبار أبو جاسم بعدم اختيار هذه الإطارات لأنها من النوع الرخيص والتي ستؤدي إلى الكثير من المشاكل مستقبلاً، فقرر أبو جاسم متكدراً حزيناً استبدال جميع الإطارات حتى لا يجازف بتأخير الأولاد عن الامتحانات وحتى تبقى أم جاسم سعيدة.
بعد انتهاء الفصل الدراسي الثاني، استعد أبو جاسم وأم جاسم للسفر لقضاء اجازتهم السنوية، ولكن تذكر أبو جاسم أن مزارع حديقة منزلهم سوف يغادر إلى بلده قريباً، فقام بالاستفسار من عبدالمعين فيما إذا كان يعرف بأمور الزراعة، فأجاب الأخير بأنه كان يعمل فلاحاً في بلده، فقام أبو جاسم بتكليف عبدالمعين بمهمة الاعتناء بالحديقة خلال فترة سفرهم.
عاد أبو جاسم وأم جاسم من السفر ووجدا حديقة المنزل مليئة بالزهور والخضروات، وعند استعلام أم جاسم عن الخضروات قال عبدالمعين بأن أبو جاسم قد طلب منه زراعتها ليتمكن من أكلها طازجة، كما طلب منه زراعة الزهور في نصف الحديقة الثاني لتتمكن هي من الاستمتاع بها. لذا فقد طالب عبدالمعين براتب إضافي مقابل الاعتناء بالحديقة وحراسة البيت وإنتاج الخضروات الطازجة، فبادره أبو جاسم بالقول بأنه لم يكن يقوم بمهامه كسائق حينها وقام بمهام الزراعة فقط، وهكذا يكون راتبه مقابلاً للزراعة بدلاً من القيادة لتلك الفترة، ولكنه تفاجأ بعبدالمعين يطالبه بمبلغ عشرون ديناراً حيث أنه قام بجزء من مهامه كسائق، فقد قامت أم جاسم بتكليفه بإيصال أولاد أختها حيثما يريدون خلال فترة سفرهم، وأنه دفع من ماله الخاص مصاريف البنزين وتبديل الزيت وتصليح أعطال السيارة. وعند سؤال أم جاسم عن حقيقة ما يقول، تبسمت وقالت كنت أود استغلال السائق بدلاً من جلوسه دون عمل ولم أعلم بعمله كمزارع أثناء الاجازة.
كما لاحظ أبو جاسم أن السيارة قد تعرضت لحادث، وعند الاستفسار من عبدالمعين عن السبب، أوضح أنه تفاجأ عند استيقاظه من النوم بتعرضها للحادث، وأخذ يذكر أبو جاسم بأنه قد طلب منه مسبقاً أن يقوم بإيقافها داخل مواقف المنزل تحت المظلات ولكن أبو جاسم رفض وأمره بإيقافها خارج المنزل، حيث أنه كان حريصاً على أن لا تتعرض سيارته الفارهة لأي أذى، لذا فقد قيد الحادث ضد مجهول مما ترتب عليه تصليح السيارة من ميزانية أبو جاسم.
وقبل بداية الفصل الدراسي من السنة التالية بيومين، طلب عبدالمعين من أبو جاسم زيادة راتبه الشهري بنسبة 20 بالمائة، وذلك بعد حصوله على عرض من جاره أبو محمد بأن يعمل لديه براتب شهري أعلى ويقود سيارة جديدة أفضل من سيارة أبو جاسم القديمة.
القرار الصعب
اختلى أبو جاسم بنفسه بحديقة المنزل يفكر، هل يزيد راتب عبدالمعين، أم يطلب سائق جديد ويعيد نفس الكرة بتدريبه وتعليمه، علماً بأن عبدالمعين قد طلب منه إخباره بالرد قبل نهاية الأسبوع حتى يتسنى له – في حالة رفضه لطلبه – الانتقال إلى منزل أبو محمد الذي وعده بأن يخصص له غرفة أكبر من التي كان فيها وأن يمنحه جهاز تلفاز مزود بخدمة الستالايت.
29.348803
48.008251
Like this:
Like Loading...
Recent comments